قهوة مرّة على شرفة قلب

[ وحدهما صديقه وهو ... ظلها فقط كان الـ حاضر بينهما ]

،،،

- التقيتها ؟
- نعم .. أمس .. هنا !
الصمت وحده يعرف طريقه إليه ،، قطعه فجأة قائلاً : أتعلم ؟!! .. وأنا في طريقي إليها كنتُ أكثر لهفةً من عاشق فاتته ملايين المواعيد الفاشلة، كانت عودتها [ حلم ] .. حين سمعتُ صوتها قادماً بعد كل هذه السنين ..
يا الله .. ما أعذبَ أن يقودكَ [ حلم ] .. هكذا
يجعل منكَ ورقةً تحت سيطرة الريح تبعثركَ .. تطير بكْ ، وربما تحطّ بكَ حيث حلمتَ ملايين المرات، وصحوتَ على خيبةٍ بحجم السقوط نحو [ قاع ] …!!
- همستُ لهُ بمرارة الذي أعرفهُ : ولكنها جعلت منك جافاً كشجرة يتيمة .
صمتٌ ثقيلٌ عاد ليسكنَ بيننا ،، لاحتْ آخر كلماتها في فضاء ذهني وهي تغادرهُ دون وداع [ تسكنني الرأفة فلا أُغرق غريق ] ،، سأرحلْ ،،
أي رأفةٍ تلك التي تعرفها هذه المتيبسة الروح !!
عادَ بي من شرودي وهو يقول :
كان أول ما استطعتُ أن أقولهُ في حضرتها وكلّي يرتعش حتى قهوتي
- أينكِ كلُّ هذا العُمر ؟!!
ردتْ ببرودٍ ينهكُ الروحْ :
- أنسيتْ ؟ .. أنا كائنٌ نهاريّ .. وأنتَ يتقاسمكَ الليلُ والأرقُ كوجبةٍ أخيرةٍ دائماً .
.. إخترتُ العزلةَ ..
أَتَعلمْ ؟ .. أجملُ ما في العزلة أننا نختارها نحن ندخل عالمها .. ونغلقُ خلفنا الباب ، ولا يعنينا كثيراً أين نضعُ المفتاح !!
بعد صمتٍ تابعتْ :
غبيان ِ كنّا حين شرعنا بمودةٍ ينقصها كل شيء إلاّ [ نحن ] ،، كان الإنسحابُ حلاً حين بحثتُ عن جذرِ المشكلة بيننا ،،
عبثتْ بخاتمها الزمرديّ وقطبتْ جبينها بحركةٍ عصبيةٍ وهي تضيفُ : ولكنكَ لا زلتَ قادراً على جعلي اقشعر كلما لاح طيفكَ في سمائي .. وهذا يُغيظني !!
.. كان يجب لكي نكون [ معاً ] أن تتقاطع حظوظنا .. أنت وأنا خطان متوازيان ، خط الزمان لم يكن يوماً رحيماً بنا .. ولا خط المكان كان أرحم ..
أبعد هذا لا زلت تروي تربة حلم [ دفناه ] ؟!!
حديثها جعلني أغرق في سخرية مرّة ، شعرت بالحروف تخرج بغضب من بين أسناني رغماً عني:
- من هي إذا تلك التي كانت تهمس في أذني [ لحظة الحب \ الذوبان .. بك \ معك .. تصبح قوانين المسافة \ الزمن ،، كذبة كبيرة
" أنتِ خدعتني للمرة الألف "
أتذكرين آخر لقاء جمعنا ، قلتِ لي [ بعدكَ .. أسامح الدنيا بما بقي لي من حظ لديها ]
صدقتكِ أنا !!
وكان عهداً أن أفترشن لك العمر حقل ريحان ،، وكان !!
أم أنّ حتى آخر ما جمعنا كان [ كذبة ]
أضاءت عيناه وهو يضيف ، تصدق ،، وكأنها هي [ حبيبتي ] حين قالت :
كان يجب أن يكون لقاءً خلاقاً بما يكفي لكي تفرغ حزنك وحرمانك في عمق روحي.
أرأيت الفرق بين أن يتعامل معك أحدٌ ما لأنه يحبك ؟.. وأن يتعامل معك آخر فقط لأنه يمتلكك ؟!! .. مخلوق شفاف أنت .. يكفيك دفء شفاة لتشعل حرباً .. وخذلاناً وحيداً يجعلك تمطر قهراً ..[ ضعفكَ ،، كسرني ]
،،
هكذا يا صديقي كان السؤال يتكاثر بي :
لماذا يقتادني القدر لإلتقاط حبِّ الشقاء من صحون ارواح الاخرين ؟!!
أحسست بعتاب يتراكم في قعر فنجان القهوة لحظة بعد لحظة ، حتى أنفجرت
به \ بها:
- ماذا تريدين الآن ؟!!،، أتريدين إعادة ترتيب شـظايـاي ؟َ!!
همستْ بنبرة ندم حزينة: هل أجرؤ بعد الذي كان ؟!!
هل تخلع رداء حزنك بي لأبعثر قليلا من سكر الفرح هنا .. على عتبة تفضي بي لآخر جرعة حزن تغصّ بها أنتَ ،، وتقتص مني بها عيناك !!
وكأنه صوتي الذي همس لها :
اصحاب الحظ العاثر لا ينتظرونها [ السعادة ]
يااااااه كم أنتظرتكِ ….
يااااااه كم تأخرتِ …. !!
،،،
نظر طويلاً في عينيّ وقال :
أتدري يا صديقي ، حين ندفن أحلامنا لا نحتاج لشاهدة قبر .
وهي دفنتني وغادرت ، ثم جاءت تبحث عن غيمة كانت تظلل قبري !!
أشعرت يوماً بهذا ،، حين تجدك وحدك إلا منك .. الزمن ليس زمنك \ الأمكنة لا تعنيك \ والناس لا علاقة تربط روحك بهم !! هكذا وجدتني لحظتها ..!!
بعيداً عن كل المسميات ، أنا لست الآخرين ،، ولن أكونهم .. هي تعرف ذلك ، فلماذا لم تقبل بي كما أنا ؟!!
الإنصاف .. أن من أقبله كما هو ، يقبل بي كما أنا أيضا .. ولكنها لم تفعل .
انفجرت بها رغماً عني ،، انفجرت بكل ما تراكم بي في غيابها :
- ألقمت نص العمر للسنين ..
ونصفه الآخر للحظ العاثر
وها أنذا .. [ قاحل ] .. إلاّ من سراب
فلماذا جئتِ الآن ؟
لماذا في لحظتي هذه جئتِ ؟
لماااذا جئتِ ؟!!
ردت برجاء مغلف بقسوتها :
- هبني [ الخلاص ] .. وأهبك [ نسياناً ] يليق بك ، توقف عن استدعاء روحي في كل غفو ،، فأنتفض ،، ليسكنني الأرق حتى يئن بي الليل .
اعتصرتْ حقيبة يدها وصرختْ في وجهي :
غبيٌ أنت ،، لن أتوقف يوماً عن كرهي لك .
،
،
سابقها ظلها نحو الباب ..
وحده وجهي الميت كان يلحق بها !!
،،
حدّق طويلا في فنجان قهوته البارد .. رفع عيناه المتعبتين وتمتم :
أتعلم يا صديقي ،، أنا أيضاً لن أتوقف يوماً عن [ كرهها ] تلك الغبية حبيبتي !!!
.. وسكنته سحابة من دمع !!

نور الفيصل

0 التعليقات:

المتابعون